فرنسيس الأسيزي شخصيّة خارجة عن المألوف، قلبت كلّ المقاييس. رجل بدون حدود، أثار دهشة العالم بمختلف أعراقه وأديانه. دعاه البعض مسيح القرون الوسطى. ترك الغنى والترف واللهو والسهر ومضى باحثاً عن جوهر الحياة بين الفقراء والبرص. هو الذي أدرك في ربيع عمره أنّه سيأتي يوم ويكرّمه العالم أجمع. تخلّى عن حلم الفروسيّة الذي كان يدغدغ مخيّلته، فاختار البطولة مع يسوع وتبعه بعد أن كان محارباً شجاعاً وجريئاً. بحث عن الله في الصّلاة والصّمت والوحدة والتأمّل، فانتعشت حياته بروح جديدة.
اقترن بالفقر فشعر بغبطة غير مألوفة، تآلف مع البرص وصار مسانداً لهم، فشرّع قلبه على الحبّ وهجر العالم وبيته الوالديّ ممهّداً لإقامته في بيت أبيه السماوي. أدرك أنّ عليه أن يكون فقيراً مع من كان أكبر الفقراء فلم يكفّ، طول أيام حياته، عن الرفض المطلق لامتلاك أقل شؤون الدنيا، التي تمتلكنا.
خاطبه المصلوب في عزلته، طالباً منه أن يرمّم كنيسته، فرمّم بيديه الكنائس والمعابد المتصدّعة إلى أن اكتشف دعوة الله الحقيقيّة له في بناء كنيسة النفوس، فالربّ أراده صيّاداً للنفوس الضّالّة، بل باعثاً للرسل يجودون بذاتهم ويحملون البشارة إلى كلّ مكان، فلبس ثوب النسك وانطلق في العالم حافي القدمين مؤتزراً بحبل على شكل صليب، ينادي بالخلاص ممتلئاً ثقة بالرّبّ. جمع حوله رفاقاً يشاركونه الرسالة، كان عددهم اثني عشر تماماً كرسل المسيح، وعرفوا بالأخوة الأصاغر، فولدت رهبنة فرنسيس التي أخذت تكبر يوماً بعد يوم، أساسها الفقر والتواضع والمحبة والصلاة والعمل. وأضحى الفقير واعظاً، ينتقل من قرية إلى أخرى، يعمل الخير، يدعو إخوته البشر إلى التقوى والتواضع والتجرّد للتوبة والتكفير عن الخطايا، والمؤمنون يتحلّقون حوله ويستقبلونه بأغصان الزيتون كمعلّمه يسوع، وجد فيه الفقير كما الغنيّ غنى الإيمان والحبّ.
أحبّ الطبيعة ومخلوقات الله، فأبدع قلمه حمداً لله على صنائعه العظيمة، وأضحى شاعر الطبيعة وملك المخلوقات. تآخى مع الريح والنار والقمر والأرض والموت، أذعن الطير إلى أوامره، وأبعدت الذئاب المفترسة شرّها عنه وعن إخوته البشر. معه تسرّب في الموسيقى المسيحيّة نشيد جديد، نقيّ وصافٍ: نشيد المخلوقات.
لم تكن لتكتمل مسيرته على هذه الأرض لولا وصمة الألم التي حملها مدّة سنتين، فهو أيضاً حمل جراحات المسيح وشاركه الألم، إلى أن أقبل اليوم الذي بدا خلاله وجه فرنسيس مشعّاً وتعلو محيّاه ابتسامة رقيقة، فرفع ذراعيه الواهنتين وقال بصوت مرتفع: "أهلاً وسهلاً بأخي الموت"، ومات عرياناً مثل سيّده يسوع وانتقلت روح فقير أسيزي لتعانق ملك السماء والأرض، بعد أن أشاد بالصليب راية، وبالانجيل ناموساً، وبالمحبة أختاً، ويصبح بذلك رسول السلام والصورة الأكمل للمسيح على الأرض.
يعرف فرنسيس الاسيزي بحبه الشديد للطبيعة التي خلقها الله. كان يحترم الحيوانات والنباتات وكان يحث على الرفق فيهم وكان يناديهم بالاخوة. كان تبشيره موجها للطيور والازهار. فقد ناداهم لمحبة الله وطاعته. وطلب من الناس ان يفتحوا قلوبهم للرب والطبيعة التي كان موجودا بينها وفيها دوما.
لقد حرص القديس فرنسيس الاسيزي على ذكر العلاقة بين الانسان والطبيعة. فهو من بدا بذكر اهمية الحفاظ على الارض للاجيال اللاحقة وشدد على اهمية ايجاد طريقة من خلالها يمكن اصلاح الناس وتفاعلهم مع البيئة التي تعتبر ضرورية لحياة البشرية. فبحسبه يجب معاملة البيئة والحياة البرية (بكل ما تحتويه) باحترام واهتمام. وقد أعلن البابا يوحنا بولس الثاني في العام 1979 ان القديس فرنسيس الاسيزي هو المثال بامتياز لرعاية ما هو ضعيف ورعاية البيئة بكاملها، التي نعيشها بفرح وأصالة. وهو شفيع كل من يدرس ويعمل في مجال البيئة. وقد مان هذه بمثابة اعتراف من قبل السلطة التعليمية بأن القديس فرنسيس أصبح رمزا لحماية البيئة.